رائحة العيد
العيد في الغربة، تمامًا كأن تصحب أعمى إلى مهرجان ألوان، يسمع البهجة ولا يراها، يحسّ بفرح كل من حوله لكنه لا يجرّبه، يبتسم كلما سمع ضحكة مجلجلة لكي لا ينتبه الآخر لوجعه، وفي آخر النهار يعود ولم ير سوى ستارة جفنه السمراء..
ذات غربة لبست ثيابي ووضعت بجيبي «عيديات» لصغار المصلين وتوجهت إلى مصلّى العيد.. كانت الوحدة حارقة، والعواطف الفرعية مزدحمة، والطواقي البيضاء التي يعتمرها الأخوة الأسيويون تمشي أمامي مثل قباب المساجد .. وما أن أنهى الإمام الصلاة وعاد المكبّرون إلى التكبير، حتى احتضن كل صديقه أو شقيقه يهنئه بلهجات متفرقة وبسمة واحدة، إلا أنا... احتضنت الغربة وعدت إلى بيتي بــدموع متفرقة ووحشة واحدة..
في منتصف النهار كانت أصوات أجهزة التكييف هي المؤنس الوحيد الذي يشق صمت المكان، لا أطفال في الخارج، لا هدايا، لا أحد يطرق بابك ليهديك «باكيت برازق»، لا صوت لفرد «الشّرار»، لا طفلة انكسر «محبس شعرها» والتهت نصف العائلة بإلصاقه، لا رائحة قهوة ، لا «أقراص عيد» لا زيت على يد الأم تتمنى لك العمر المديد..لا أحد سوى ستارة «الشفق والغسق» المرخية على نافذة الزمن تأخذ يومًا من عمرك وترميه في سلة الأيام المستعملة...
إلى كل الغريبين عن أوطانهم، إلى الذين يستقبلون صور أطفالهم في العيد على «الواتساب»، إلى المحبوسين مثل موج البحر على شاطىء البعد، إلى الجالسين في صالة القدوم منتظرين وصول غد أفضل... إلى من يغمسون لقمة العيش بفضاء الكدح، إلى من يقبّلون بشفاههم فم الجرح ... إلى من يحتفظون بصور (الإقامة) كما يحتفظون بصور عائلاتهم... إلى من يحنّون إلى شجرة اللوز التي تحف بنوافذهم المكسرة، إلى من يتخيلون كيف غدت ملامح الحارة إلى الأرجوحة المربوطة على جذعي سروة، أعرف أن الغربة صيام دهر وأن العودة عيد ...
وأنتم فقط رائحة العيد...
الكاتب: أحمد حسن الزعبي
العيد في الغربة، تمامًا كأن تصحب أعمى إلى مهرجان ألوان، يسمع البهجة ولا يراها، يحسّ بفرح كل من حوله لكنه لا يجرّبه، يبتسم كلما سمع ضحكة مجلجلة لكي لا ينتبه الآخر لوجعه، وفي آخر النهار يعود ولم ير سوى ستارة جفنه السمراء..
ذات غربة لبست ثيابي ووضعت بجيبي «عيديات» لصغار المصلين وتوجهت إلى مصلّى العيد.. كانت الوحدة حارقة، والعواطف الفرعية مزدحمة، والطواقي البيضاء التي يعتمرها الأخوة الأسيويون تمشي أمامي مثل قباب المساجد .. وما أن أنهى الإمام الصلاة وعاد المكبّرون إلى التكبير، حتى احتضن كل صديقه أو شقيقه يهنئه بلهجات متفرقة وبسمة واحدة، إلا أنا... احتضنت الغربة وعدت إلى بيتي بــدموع متفرقة ووحشة واحدة..
في منتصف النهار كانت أصوات أجهزة التكييف هي المؤنس الوحيد الذي يشق صمت المكان، لا أطفال في الخارج، لا هدايا، لا أحد يطرق بابك ليهديك «باكيت برازق»، لا صوت لفرد «الشّرار»، لا طفلة انكسر «محبس شعرها» والتهت نصف العائلة بإلصاقه، لا رائحة قهوة ، لا «أقراص عيد» لا زيت على يد الأم تتمنى لك العمر المديد..لا أحد سوى ستارة «الشفق والغسق» المرخية على نافذة الزمن تأخذ يومًا من عمرك وترميه في سلة الأيام المستعملة...
إلى كل الغريبين عن أوطانهم، إلى الذين يستقبلون صور أطفالهم في العيد على «الواتساب»، إلى المحبوسين مثل موج البحر على شاطىء البعد، إلى الجالسين في صالة القدوم منتظرين وصول غد أفضل... إلى من يغمسون لقمة العيش بفضاء الكدح، إلى من يقبّلون بشفاههم فم الجرح ... إلى من يحتفظون بصور (الإقامة) كما يحتفظون بصور عائلاتهم... إلى من يحنّون إلى شجرة اللوز التي تحف بنوافذهم المكسرة، إلى من يتخيلون كيف غدت ملامح الحارة إلى الأرجوحة المربوطة على جذعي سروة، أعرف أن الغربة صيام دهر وأن العودة عيد ...
وأنتم فقط رائحة العيد...
الكاتب: أحمد حسن الزعبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق